الصناعة في أساس تمتين البيئة الاقتصادية والاستقرار المجتمعي

بقلم نعمة افرام – النهار- الثلاثاء 25 أيار 2010

انهمكنا في لبنان وعلى مدى عقود في إدارة أزمات متوارثة أو متتابعة أو مستجدة، كانت تصيب اقتصادنا الوطني في الصميم. ويدعونا الواجب اليوم إلى مناقشة استراتيجيات جديدة لمستقبل اقتصادي أفضل والسؤال عن أجدى السبل لتمتين البيئة الاقتصادية.

ومن أجل إطلاق عجلة اقتصادنا نحو نمو أكيد وثابت، يتطلب الأمر النظر في سلسلة متكاملة من المبادرات. إلا أن الأرضية المناسبة والكفيلة تعبيد هذا المسار، تفترض التركيز على محورين أساسيين مترابطين: إحقاق التوازن في مكونات الاقتصاد الوطني وتثبيت الشراكة بين أفرقاء العقد الاقتصادي.

أولا - الصناعة أساس في توازن اقتصادنا

إن تفعيل الاقتصاد المتوازن يقتضي تجاوز مرحلة الاقتناع بمحورية تنمية القطاع الصناعي، من أجل الشروع في ورشة عمل وطنية، هدفها إطلاق نهضة صناعية لمواكبة الألفية الثالثة.
لقد قامت صناعاتنا الوطنية بالدور المطلوب منها أساسا في إثبات حضورها وجبه المعوقات أمام تطورها.

 ولعل من المفيد التذكير في هذا المجال، بآثار حربي الخليج السابقتين وأزمة انخفاض سعر صرف الأورو عام 2000، مرورا بخفض كلي للرسوم الجمركية، وفي المفاعيل المأسوية لبعض بنود اتفاقات التيسير العربية، إلى التطبيق المسيء لاتفاق التجارة الدولية، وصولا إلى حرب تموز المدمرة وبعدها فورة أسعار النفط، وانتهاء بأزمة تعثر المصارف العالمية وانكماش اقتصادات الدول... وتزامنت هذه الوقائع مع احتجاب الرؤى الاستراتيجية عن رسم أي دور للصناعة على الصعيد الحكومي، ربما بحكم الجو السياسي والأمني العام الذي كان سائدا يومها.

ورغم ذلك، استطاعت الصناعة الوطنية ببطولة نادرة، الصمود في وجه كل الانعكاسات السلبية لمفاعيل هذه القرارات والاتفاقات والأزمات والنزاعات الدامية. وقارعت كل تحديات العولمة بعناد ايجابي، فزادت توظيفاتها وتصديرها ورفعت إنتاجها الوطني بفخر كامل.  وسجلت نموا ثابتا وملحوظا خلال الأعوام الخمسة الماضية راوح بين 15 إلى 20 في المئة سنويا، الأمر الذي توقف أمامه بإعجاب العديد من المراقبين على الساحتين المحلية والدولية. إلى ذلك، متنت صناعاتنا قفزتها النوعية في الصمود المميز في العديد من أسواقها الطبيعية في العالم العربي وأفريقيا وأوروبا. وفتحت أسواقا جديدة أخرى، محققة أرقاما في الصادرات الوطنية بلغت حدود الـ 3 مليارات دولار.

وعليه، آن الأوان لإطلاق النهضة الصناعية المرجوة من أجل إقتصاد ثابت وآمن ومتوازن. وباتت جدولة الأولويات في الرؤى الاستراتيجية للاقتصاد تتطلب إعادة الاعتبار لهذا القطاع والتأسيس عليه، لإعادة تشييد الهيكل الاقتصادي وفق أسس متينة وواعدة.

 وفي هذا الإطار، لخصت جمعية الصناعيين رؤيتها في خطة عملها، من أجل إطلاق نهضة صناعية في لبنان، وهي تتمحور على:

تقوية الصناعات الموجودة عبر:

  • تحسين المدن الصناعية الحالية. والمسؤولية طبعا مشتركة بين القطاعين الخاص والعام، وترتبط طبيعيا بنطاق عمل وزارتي الصناعة والأشغال العامة.

 إلغاء ضريبة الدخل على الربح الناتج من التصدير مع التشجيع التشريعي على إعادة هيكلة المؤسسات الصغيرة، وتحفيز الاندماج، وصيانة حقوق صغار الصناعيين. وهنا يبرز دور وزارتي المال والصناعة مع الدور المساند من مجلس النواب.

  • خفض كلفة الإنتاج في ميادين الطاقة ونفقات الضمان والنقل البري والبحري والاتصالاتوالمسؤولية مشتركة بين وزارات الصناعة والطاقة والعمل والأشغال والتجارة والاتصالات والمال.

إنشاء مدن صناعية نموذجية عبر:

  • تأسيس الهيئات الناظمة لها وفق المراسيم الموضوعة بهدف إنشاء بيئة صناعية نموذجية تستقدم رؤوس الأموال، بعد اقتراح وتخصيص مواقع لإنشائها، ثم المساعدة في تسويقها لاستقطاب الاستثمارات الجديدة.

وثمة أهمية فائقة لهذا المحور، إذ ان إنشاء أي مدينة صناعية نموذجية في بقعة جغرافية محددة على أرض الوطن، سيتضمن حكما المكونات الآتية:

اكتفاء ذاتي من الطاقة بحكم توليد الكهرباء ضمن هذه المدينة. وهذا ما يعفي الدولة من تكبد المزيد من الخسائر من ناحية، ويعطي الصناعات الكمية الكاملة المطلوبة من الطاقة وبكلفة تنافسية من ناحية أخرى.

بنى تحتية جاهزة وحديثة، من شبكات صرف صحي ومياه واتصالات وطرق وحدائق وفق تنظيم مدني خلاق.

وحدات سكن مع كل مستلزمات الحياة المدنية، في تآلف بين محيط صناعي والبيئة الطبيعية، وتطوير حتمي للمحيط. مع ما يستتبع ذلك من تثبيت للمواطن العامل في أرضه وقريته والحد من موجة النزوح في اتجاه المدن واستعادة أبناء الريف في المقابل.

مبان صناعية مجملة للبيئة وصناعات صديقة لها، في مدينة صناعية تتكامل مع محيطها الطبيعي.
ولا يخفى على احد الانعكاس الايجابي لإنشاء مثل هذه المدن الصديقة للبيئتين الطبيعية والاجتماعية على الواقع المجتمعي العام. فالإنسان العامل في بيئته هو الأكثر توازنا وصاحب القدرة الأكبر على التميز في إنتاجه. والإنسان العامل في محيطه الطبيعي يكون مؤهلا بحكم الواقع في ترسيخ مفهوم العائلة اللبنانية المترابطة، ويشكل مصدرا أكيدا للثبات والاستقرار المجتمعي.

التواصل مع الاغتراب اللبناني:

  • تشجيع الاستثمار الخارجي المباشر وحمايته تشريعيا وتحفيز التصدير، عبر تأسيس شبكة المغتربين وإرسال بعثات إلى الخارج ورعاية مؤتمرات ومعارض صناعية في الخارج. كذلك، المساهمة التشريعية في تسهيل طرح أسهم الشركات الصناعية في الأسواق المالية اللبنانية.

وتتطلع جمعية الصناعيين إلى تفعيل دور وزارة الخارجية والسفارات في تأدية دور ريادي في مجال الربط الاقتصادي– الصناعي، والإضاءة على الفرص الاستثمارية المتاحة في لبنان للمغتربين. كما في التعاون على تظهير شبكة المغتربين من المهتمين وفي تسهيل التواصل وإقامة المعارض المتخصصة.

ثانيا - الشراكة بين أفرقاء العقد الاقتصادي
إن خطة النهوض الصناعي هذه تتطلب شراكة في العمق بين القطاعين العام والخاص من ناحية. وأيضا، شراكة تنسيقية متكاملة بين الوزارات المعنية، ولا سيما منها المال والاقتصاد والصناعة والطاقة والسياحة والزراعة والأشغال والبيئة وغيرها...

ويفترض أن يطلق قرار مجلس الوزراء لإعادة إحياء العمل في المجلس الاقتصادي، باب الحوار البناء والعلمي والميثاقي في سبل بناء هذه الشراكة. ولعل في انضمام ممثلي أفرقاء العقد الاقتصادي إلى الطاولة، تحول من دور المعترض أو المكتفي بإبداء الرأي وتقديم المشورة، إلى المشاركة الفاعلة في صوغ السياسة الاقتصادية للدولة. ومن بين أهم أدوارهم، ممارسة الضغط الايجابي على أصحاب القرار في ملاحقة المبادرات لاستصدار القرارات المناسبة في شأنها وتنفيذها.

وتفصيلا، يكون عليهم التعاون مع الوزارات المعنية والتنسيق ما بينها، وسد الثغر في آليات العمل لديها، والتواصل مع اللجان التشريعية توضيحا وتفسيرا ودرسا للجدوى توصلا إلى الأهداف المنشودة.

هذا ما تتطلع جمعية الصناعيين إلى تأديته بفاعلية كاملة وبالتعاون مع كل ممثلي أفرقاء العقد الاقتصادي. فيتحول الجميع خلية عمل ضمن غرفة عمليات، في إطلاق دينامية اقتصادية متجددة وواعدة وكفيلة نقل واقع الصناعة الوطنية من إدارة الأزمات إلى آفاق الألفية الثالثة.

تواصــــــــل معنا