المنهجية المطلوبة في سبيل ضمان اجتماعي نموذجي

النهار-الأربعاء 6 تموز2011

تحمل قضية الضمان الاجتماعي مضامين اقتصادية واجتماعية واسعة، وتنعكس على اللبنانيين في شبكة أمنهم وسلمهم المجتمعي. والاستقرار الاجتماعي مدخل أساس لولوج مشاريعنا الوطنية في تثبيت السلم الأهلي وإطلاق النمو الاقتصادي.

وضع قانون إنشاء الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي عام 1963، في ترجمة لواحدة من الرؤى التنموية الكبرى للرئيس فؤاد شهاب. وبدأ تنفيذ مفاعيله عمليا مطلع السبعينات لتأتي بعدها الحرب وتحول دون إجراء أي تحديث على الأنظمة ولا سيما في الفرع الأكثر التصاقا بالمواطنين، وهو ضمان المرض والأمومة. والواجب يدعو إلى معالجة هذا الملف بانفتاح كامل، خصوصا بين أطراف العقد الاجتماعي الذين يشكلون محور السياسة الاجتماعية الوطنية، وهم الدولة وأصحاب العمل والعمال. والاهم، اعتماد خريطة طريق للأدوار المطلوبة من كل طرف، في سياق منهجي وصولا إلى ضمان اجتماعي نموذجي.

أولا: في رؤية القطاع الخاص

تنظر جمعية الصناعيين إلى هذا الملف الشائك من ثلاث زوايا متكاملة.

أ – القيمة الروحية والمعنوية للإنسان وعدم جواز تحجيمها أو تغييبها، وهي مستقاة من التعاليم السموية ومن المبادئ التي أقرتها المواثيق والشرع العالمية التي تحفظ الكرامة البشرية.

ب – العامل هو ثروة وطنية نادرة يفترض أحاطتها بكل أشكال الرعاية. المطلوب إطلاق جناحي الإبداع لدى العامل عبر إراحته: من إزالة قلقه على حاضره، إلى اطمئنانه إلى صحته وغده وشيخوخته. فيتحرر عندها مشكلا القيمة المضافة في حد ذاته للاقتصاد.

ج – مبدأ التكافل والشراكة مع القطاع العام الذي يلتزمه الصناعيون ، مع الانفتاح الايجابي على المطلوب منهم مع ما يمكن ان يترتب عليهم من موجبات منطقية وعادلة.

ثانياً: في مسؤولية الدولة

ان خريطة الطريق لإصلاح حقيقي تتوجب في الأساس معالجة الخلل الهائل والمتراكم لدى الصندوق في: الإدارة، المالية ومفهوم الحماية الاجتماعية الشاملة.

في الإدارة: التحديث

- يجدر النظر في إشكالية تحديد هوية الصندوق كـ"مؤسسة مستقلة ذات طابع اجتماعي" وتحديد مدى ارتباطه أو استقلاله عن السلطة السياسية.

- تنظيم واضح للهيكلية الإدارية وبت التضارب في الصلاحيات، وفي ترابط صناديق المؤسسة بعضها.
-
النظر في الكلفة الإدارية وتفعيل الإنتاجية.

وهذا الأمر يوجب اعتماد أسس حديثة لإدارة الموارد البشرية، ومعالجة ملء الشواغر في الملاك وارتفاع معدل الاعمار المتزامن مع إهمال المحفوظات والتوثيق وضياع المستندات وتفعيل المكننة.

في المالية: الشفافية أساس لاستعادة ثقة العامة.

- أهمية خضوع الصندوق إلى مؤسسات الرقابة المركزية، واعتماد الأرقام الواضحة وتفادي حساب الخارج والوارد بعيداً من موازنة علمية واعتماد الشفافية المطلقة.

- معالجة ديون الدولة التي تعدت المنطق وبلغت أرقاماً قياسية.

- سد العجز وتوفير السيولة وإراحة المضمونين عبر دفع المتأخرات لهم وللمستشفيات والمؤسسات.
-
معالجة تردي التفتيش وتقصيره.

- وقف كل أشكال الإهدار عبر تشديد المراقبة على التقديمات الصحية والاستشفائية وملاحقة الاشتراكات وجبايتها.

في الحماية الاجتماعية الشاملة

يساهم الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي بشكل أساسي في الفاتورة الصحية العامة، إلى جانب المواطن ومعه وزارة الصحة وتعاونية الموظفين وشركات التأمين وأصحاب العمل. رغم ذلك، نلمس ثغرات كبيرة في التقديمات إلى جانب سلبيات عدم توحيد أنظمة الرعاية الصحية، وغياب تقديمات طب الأسنان ورعاية المسنين، والى تاريخه مشروع التقاعد والعجز والوفاة.

وفوق هذه كلها، هناك واقع لا نستطيع القبول به في القرن الواحد والعشرين. إن المواطن العامل عندما يبلغ السن القانونية للتقاعد ويضطر إلى الرعاية الصحية في اللحظة الحرجة، لا يجد الضمان إلى جانبه. هذه حقيقة صادمة لا يجوز أن يرضى بها أحد. المطلوب تأمين نظام تقاعدي لكل عامل حتى آخر لحظة من حياته.

وفي نفس الوقت، يجب تحصين مبدأ الحماية الاجتماعية دون زيادة النزف الحاصل على صعيد الدين العام للدولة .لقد تجاوزنا  ال 60 مليار دولار، في حين أن هناك 60 ألف طفل لبناني سيولدون هذه السنة وسيتطلعون إلى عمل بعد 20 سنة من اليوم على مدى أربعين عاما. أي انه سيكون لنا في سوق العمل مليونان و400 ألف مواطن يتحمل كل واحد منهم عبء دفع 25 ألف دولار أميركي لإيفاء الدين العام، إذا لم يتراكم وزادت فوائده.

إننا نعلن جهارا وقوفنا إلى جانب كل توجه عادل في السياسة الاجتماعية للدولة اللبنانية، تعزيزا لصمام الأمان للعدالة الاجتماعية والتنمية الاقتصادية. ولكن، كما أن الثبات المجتمعي يتطلب حماية شاملة، كذلك إن النمو هو أساس في تحسين مستوى المعيشة على كل الأصعدة، وأي تغليب لمنطق على آخر، مثلا" شل القدرة التنافسية للقطاعات الإنتاجية عبر تحميلها ما لا تستطيع حمله، أو الحد من إمكانياتها في فتح فرص عمل جديدة لشبابنا، سيؤدي إلى تزايد سريع في الدين العام والدخول في دوامة العجز الفائق. وهذا ما سيدخلنا حتما بعدها في سياسات تقشفية للدولة، تضرب الطموحات المجتمعية والاقتصادية – كما هو حاصل اليوم في اليونان – وسيشكل دون أدنى شك قنبلة اجتماعية-اقتصادية قد تنفجر في أي لحظة.

لقد اتخمنا على مدار السنين بإدارة ملفاتنا عبر فوضى لم تكن خلاقة يوما، وقد حان الوقت لمنهجية علمية خلاقة تثبت الأمن المجتمعي بالتوازي مع إطلاق النمو الاقتصادي العام.

تواصــــــــل معنا