رئاسة تصنع السلام بالإنماء

نعمة افرام – النهار  16 نيسان 2014

سألني احد الفاعلين في المجتمع المدني: كيف يساهم الانماء في صناعة السلام؟ فأجبته بثلاث كلمات: توفير فرص العمل. اذا توافرت فرص العمل تنتهي مصائب جمة، ويصبح للانماء رسالة ويكون اساسا في خدمة السلام، بل في صناعة السلام.

الا اننا ندرك جميعا، ان توفير فرص العمل هو نتيجة وليس حدثا في حد ذاته. انه نتيجة قوانين حديثة وهادفة، وبنى تحتية متطورة. كما انه نتيجة بيئة ضريبية محفزة، وسياسات تعزز القطاعات المنتجة وقدراتها التنافسية وتطلق حماية مجتمعية تصب في خانة بناء وحدة لبنان. وهو نتيجة ايضا لشراكة في العمق مع المغتربين، تستقطب طاقاتهم الفكرية والاستثمارية. ولا اظن احدا يختلف ايضا وايضا على انه نتيجة استقرار امني وسياسي.

الا انه في كل مرة تفتح اي ورشة عمل حول هذه، تظهر المعضلات وتفتح ابواب الجحيم. فكيف لنا ان ننتج هذا الكم من القرارات لاحداث الفرق في ظل تعطل آلية اتخاذ القرار؟

اتساءل ونحن على ابواب الاستحقاق الرئاسي، وامام هول المشهد الذي امامنا: ماذا ننتظر؟ الم يحن الوقت لبناء المجتمع معا على قاعدة عيش مشترك منتج، بدلا من عيش مشترك عقيم؟ وهل كثير علينا اعادة تصويب التزاماتنا الوطنية، فنجدد في العقد الوطني على قاعدة الدولة المدنية اللامركزية والحياد الايجابي، ونركز على بناء لبنان معا على قواعد الاستقرار والنمو الاقتصادي وتطوير حياة الانسان فيه؟

اقول هذا الكلام لاننا في خضم ازمة وجودية وكيانية خطرة. ولاننا ببساطة في سباق بين كارثة اقتصادية واخرى اجتماعية... لا سمح الله.

اقتصاديا... الخوف من الانهيار قائم في ظل دين عام متصاعد وعجز متزايد في الموازنة، في وقت نشهد فيه تراجعا في النمو ونزفاً مالياً في قطاع الطاقة. وبنيويا... يصيب بنانا التحتية تآكل مخيف، وهي قد وضعت لتخدم اقتصاد الستينيات. المشاريع في كل المرافق غير موجودة او مجمدة، ناهيك بالتبدل المناخي والشح في الامطار، في ظل نقص في السدود والمشاريع الاخرى المتصلة. اما اجتماعيا... فتتعاظم اوجاع اللبنانيين صحيا وتعليميا وسكنيا وتتدنى قدرتهم الشرائية، ويعانون من غياب تأمين نظام تقاعدي لائق في الشيخوخة. ويزيد هذا الواقع تفاقما، تهافت ما لا يقل عن مليون ونصف مليون لاجئ سوري ينافس اليد العاملة اللبنانية ويزيد الاعباء على كاهل خدمات الدولة اللبنانية.

ان البطالة هي ام المصائب. وكل صبية او شاب دون عمل، هما حتما دون افق، وبالتأكيد، هذا يشكل عامل عدم استقرار مع انعكاسات سلبية لا تعد ولا تحصى. التحلل الخلقي احد نتائج عدم توفير فرص العمل. الانحرافات المجتمعية والآفات والجرائم... نتيجة اخرى. الهجرة واقع حتمي. الاخطر، هو ان يجد طالب العمل فرصة توظيف لدى المحاور الخارجية المتنازعة داخل الوطن.

وامام هذه الحلقة المفرغة، لا سبيل لنا الا اعتماد خطة لاحتواء الاثر السلبي لتراجع النمو واعادة اطلاقه، في مشاريع وخطط بنيوية على اساس الشركة بين القطاعين العام والخاص، والاستثمار الذكي في البنى التحتية، مع تعاقد شفاف لاستخراج النفط دون تسييس او فساد، واستحداث صندوق سيادي يغذى من موارد استراتيجية كالنفط والغاز والثروة المائية، واضافة امتار سيادية من الردم على الشاطئ اللبناني بغرض الاستثمار. وبعد تصفية نسبة مئوية مرتفعة من ديننا، تتحول مفاعيل هذا الصندوق السيادي لخدمة "صندوق دعم الاجيال"، فيوضع في تصرف التعليم والابحاث وتوفير الرعاية الصحية وضمان نهاية الخدمة والشيخوخة، اضافة الى الامان والتعاضد الاجتماعي.

كما تتطلب خطة اطلاق النمو ايضا تحديث القوانين ولاسيما الضرائبية ووضع محفزات للقطاعات المنتجة وتعزيز قدراتها التنافسية، ووقف النزف في الكهرباء واعادة هيكلة الانتاج والتوزيع الكهربائي. واخيرا وليس آخرا، استقطاب الاستثمارات نحو القطاعات الانتاجية التي توفر فرص العمل، ومنها مثلا استحداث مدن صناعية نموذجية في المناطق والارياف.

في الختام، يشكل الاستحقاق الرئاسي محطة اساسية قد تكون الوحيدة المتاحة امامنا لكسر حلقة الجمود العام، واعادة الدورة الديموقراطية الى مساراتها الطبيعية وفتح باب المعالجات الجوهرية وبناء مؤسسات الدولة واداراتها. وكل الطموح يكمن في انتخاب رئيس يتفاعل ولا يتنافس مع الآخرين. رئيس رؤيوي يستنبط حلولا واقعية لشتى المشاكل التي نعانيها، وقادر على نقلها الى حيز التنفيذ. رئيس يعمل بنيويا على تطوير المنظومة اللبنانية، لتصبح فعالة ومنتجة.

وهي دعوة اوجهها الى المسؤولين كافة في وطننا لاتخاذ القرار الاجرأ، في التحول من قادة سياسيين الى آباء مؤسسين لدولة تجعل الانماء في خدمة وصناعة السلام الحقيقي، في لبنان أفضل، مستقر ومنتج ومبدع.

تواصــــــــل معنا