في الصندوق السيادي واستقطاب استثمارات الاغتراب

النهار-الاثنين 12 تموز

 بقلم نعمة افرام *

 لمقاربة أجدى السبل لتمتين البيئة الاقتصادية واستقطاب الاستثمارات الجديدة وتفعيل الشراكة مع الانتشار اللبناني في هذا المجال، وفي نظرة سريعة على الموازنات المتعاقبة عموماً، نجد أن الجهد كان ينصب على توفير التساوي في الميزان الأولي بين واردات الدولة ونفقاتها من دون توظيف ملموس في البنى التحتية. الى ذلك، كان علينا الاستدانة سنة بعد أخرى لتغطية قيمة الفوائد المتأتية من خدمة الدين العام، لننتهي عمليا بغياب المصادر التمويلية للاستثمار في النمو وتثبيته والمحافظة عليه.

وإذا أردنا أن نتلمس المقياس الأهم في تقييم اقتصاد الوطن وهو في مؤشر الدين على الناتج القومي، لا بد من أن نستخلص أن النمو في الناتج القومي بنسبة أكبر من معدل فائدة خدمة الدين العام، هو حتمي وأساسي لإطلاق عجلة الاقتصاد الوطني. وذلك يعني أن النمو السريع لم يعد خيارا بل واجبا، الأمر الذي يفترض الإجابة عن سُبُل الخروج من هذه الدوامة وكسر الحلقة المقفلة.

إن في المعالجة المبتكرة والخلاقة سبيلاً للنفاذ من دائرة إدارة الأزمات المتوارثة والمتتابعة أو التي يمكن أن تستجد. وكم يكون مفيدا تلقف الأفكار ذات القيمة المضافة ومن خارج الإطار المتعارف عليه. ولعل في استحداث صندوق سيادي خاص يوضع في خدمة خفض أصول الدين وفوائده، باب لإحداث فارق جوهري في معالجة هذا الملف الشائك. يغذى هذا الصندوق من موارد محددة واستراتيجيةهل يكون النفط والغاز إحداها؟ ماذا عن ثروتنا المائية؟ أليس من مصلحة وطنية عليا في إضافة أمتار سيادية من الردم على الشاطئ اللبناني بغرض الاستثمار؟
لقد شكّل موضوع الدين العام مادة خلافية سنة تلو الأخرى، فماذا لو تحولت قواعد معالجته قضية وطنية توحد اللبنانيين وتطلق مفاعيل التنمية نحو آفاق متجددة وواعدة؟

إن الثروة الباطنية من النفط والغاز والكامنة في بحرنا وربما في برنا، هي من النعم التي منحت لوطننا من أجل خير ورفاهية وتقدم شعبه وسلامة استقراره المجتمعي. فما بالنا نحولها ومنذ الدقائق الأولى لعنة، كما في التجارب المؤسفة لبعض من البلدان النامية صاحبة الثروات من الأحجار الكريمة وغيرها من المعادن؟!

لقد سلمنا جدلا كلبنانيين ولاعوام طويلة، بحيادية ومحورية الدور الإنقاذي الكبير والفريد من نوعه الذي لعبه المصرف المركزي. فلم لا نودع ملف الصندوق السيادي في عهدته وإدارته وتحت إشرافه؟

أما عن ثروتنا المائية والتي يهدر منها أكثر من مليار متر مكعب سنويا في البحر، فلم لا يغذى هذا الصندوق من عائدات استثمار هذه الثروة وبيعها الى الدول الشقيقة وحدها، بما يمكن أن يقارب المليار والنصف المليار دولار من العائدات سنويا؟!

وماذا يضير الوطن لو زيدت مساحته البرية خلال عشر سنين فقط 20 مليون متر مربع ليصبح وطن الـ10472 كيلومترا مربعا؟!

إن بيئتنا هي جبلية ومسطحاتنا ضيقة ومكتظة والطلب كبير والعرض يكاد يختفي. إن في ردم مدروس شفاف ومنظم للبحر بمساحة مليوني متر مربع سنويا بهدف البيع والاستثمار، يدخل موارد إضافية بقيمة ملياري دولار سنويا أيضا.

ولعلنا في اتخاذ مثل هذه المبادرة الجريئة نساهم جذريا في التخلص من عبء ديننا، ونؤهل المزيد من المساحات وفق أفضل تنظيم مدني لنستقبل منتشرينا، مقيمين دائمين وليس زائرين موسميين، ونعفي ما تبقى من جبالنا الخضراء من التهشيم والتشويه.

وأكثر، وبعد تصفية ديننا وتعويم اقتصادنا، يتحول هذا الصندوق السيادي الى "دعم الأجيال"، فيوضع في خدمة التعليم وتوفير الرعاية الصحية وضمان نهاية الخدمة  والشيخوخة إضافة إلى الأمان والتعاضد الاجتماعي، كما في بلاد النروج مثلا!

يبقى أن الشروع في المحافظة على درجة نمو مرتفعة، هو شأن أقل صعوبة وقريب المنال، في مسار توفير بيئة اقتصادية مناسبة لاستقطاب الاستثمارات الجديدة وتفعيل الشراكة مع الانتشار اللبناني. ومن البديهي القول إننا في حاجة إلى ورشة وطنية شاملة في هذا المجال، تبنى على أساس شراكة في العمق بين القطاعين العام والخاص من ناحية، وأيضا شراكة تنسيقية متكاملة بين كل الوزارات المعنية، ومنها المال والصناعة والأشغال العامة. ولعل في إحياء العمل في المجلس الاقتصادي والاجتماعي، مدخل لحوار بناء وعلمي وميثاقي لهذه الشراكة.
ومن منظار صناعي محض، نجد ان النمو الذي حققته الصناعة خلال اعوام خمسة، لم يتزامن مع أي توظيف ملموس في البنى التحتية الموضوعة في خدمتها. وهي تشهد تآكلا وتراجعا مخيفا. وقد حان الوقت للعمل على واحدة من المبادرات المفصلية، وتتمثل في إنشاء مدن صناعية جديدة نموذجية كفيلة بتحرير هذا القطاع وإطلاق المارد الصناعي المخنوق في عنق الزجاجة، نحو آفاق تنموية إبداعية إنتاجية جديدة.

في الوقت عينه، نعوّل كثيرا على طاقات الاغتراب التي نرى فيها مزيجا من الرغبة أولا والذكاء ثانيا في التوظيف الاستثماري. لكن لا يجوز لنا حصر الموضوع في شقه العاطفي. علينا أن نشجع الاستثمار الخارجي المباشر ونستقطبه عبر حمايته تشريعيا. وأيضا عبر الربط الاقتصادي– الصناعي والإضاءة على الفرص الاستثمارية المتاحة للمغتربين في لبنان.

إن في استثمار المغترب شهادة للوطن على حسن إدارة ملفه الاقتصادي. وفي تمتين بيئتنا الاقتصادية أساس لاستقطاب ذلك الاستثمار، الذي بدوره سيعزز قدرات نمو اقتصادنا وسيرفع الناتج القومي. هكذا ندخل دوامة ايجابية هذه المرة، على طريق إعادة تشييد الهيكل الاقتصادي وفق أسس متينة وواعدة، كفيلة بنقله من واقع إدارة الأزمات إلى آفاق الألفية الثالثة.

تواصــــــــل معنا