جامعةُ الروح القدس – الكسليك ولبنان الأفضل

كلمة المُهندس نعمة افرام 

... "لَوْ كَانَ لَكُمْ إِيمَانٌ مِثْلُ حَبَّةِ خَرْدَل لَكُنْتُمْ تَقُولُونَ لِهذَا الْجَبَلِ: انْتَقِلْ مِنْ هُنَا إِلَى هُنَاكَ فَيَنْتَقِلُ، وَلاَ يَكُونُ شَيْءٌ غَيْرَ مُمْكِنٍ لَدَيْكُمْ". 

ولو كانَ لنا إِيمَانٌ بلبنان بقَدْرِ حَبَّةِ الخَرْدَل، فلا يَكُونُ شَيْءٌ مستحيلاً علينا. 

شرْطُ حَبّةِ الخَردَل، أبسطِ وأصغرِ بُزورِ الحَقْل، أن تكونَ سليمة. أن يعرِفَ زارعُها أن ينقِّحَها. أن ينقّي ما يشوبُها. 

أمّا شَرْطُ إيمانِنا بلبنان، وعلى مِثالِ حَبّةِ الخَرْدل، فهو وُضوحُ الرؤيةِ في كيفيّةِ مُواجهةِ الخَيبات والمَرارات. أن نُدْرِكَ أسبابَ ما يشتَدُّ في طريقِنا من ظُلُماتٍ وعَواصف. أن نضَعَ نَصْبَ أعيُننا المُبادراتِ العمليّة لحلِّ الأزمات. 

فحينَ تكونُ الرؤيةُ واضحةً، يُصبحُ الإيمانُ أقوى وأفعل. وعندما تكونُ المعالجاتُ مترفّعةً بَنّاءة، نقولُ لهذا الجبلِ انتقِل مِن هُنا إلى هناك فينتقل. وعندها، عندها فقط، يكون لنا لبنانٌ أفضل. 

حَضرةُ الأب البروفسور جورج حبيقة،

أصحابُ السَّعادة والمعالي، السيِّداتُ والسَّادة، 

لقد تعطَّلَت آليّاتُ اتّخاذِ القراراتِ منذُ نهايةِ عصْرِ الوِصاية في العام 2005. كانت مؤسَّساتُنا العامّةُ تتحَلَّل، والانعكاساتُ الخطيرةُ للشللِ العامّ تَطغى على كافّةِ مفاصلِ حياتِنا الوطنية.

ولوْلا فُسُحاتٍ استثنائية من الإيجابيات، استطاعت أن تأتي لنا برئيسٍ للجمهورية، وأن تعيدَ النبضَ إلى مؤسّساتِنا العامة من خلالِ التعيينات العسكريّة والأمنية والماليّة، وأن تنتجَ البارحةَ قانوناً جديداً للانتخابات، لكنّا نتّجهُ بخُطًى ثابتةٍ نحو الانهيارِ الكبير.

كم يؤلمُني أن يكونَ لبنانُ اليَوْم، ليسَ ذاك الذي يُشْبِهُ اللبنانيين في كفاءَاتِهم ونجاحاتِهم الفرْديَّة. ولا هو الذي نَطمَحُ إليه مُقيمينَ ومُغترِبين. 

لكن هذا اللُّبنانُ هُوَ وطنُنا، ونتطَلَّعُ إلى تغييرٍ إيجابيّ فيه. ولهذا نحنُ هُنا، في صَرْحٍ أكاديميٍّ عريقٍ ضارِبِ الجُذور في لبنانيتِهِ هُويَّةً ورسالةً، نرفَعُ الصوتَ عالياً في وُجوبِ إنهاضِ لبنان. 

السيِّداتُ والسَّادة، 

مؤتمرُ "لبنان اليَوم: مقارباتٌ في أزَماتِ التعدُّديَّة، واللُّجوءِ والنُّزوح، والديموقراطيَّة التمثيليَّة، والمُوازنة" ليسَ مؤتمراً بذِهنيَّة التَّفكيرِ فقط. إنّه رؤيَةً لمُستقبلِ دَوْلةٍ كان يجبُ علينا بناؤها منذُ زَمنٍ طويل. 

وهو ليسَ مؤتمراً تقليديَّاً، بل بَحْثاً تشاوريَّاً في العُمْقِ في كيفيَّة مُعالجة هذه الأزَمات، بعدَ تعميقِ تشخيصِها.  

وإذ نستندُ إلى رَسوليَّة جامعةِ الرُّوح القُدس – الكسليك، وإلى روحيّةِ مبادرةِ لبنان الأَفْضَل التي أطلقناها، فهَمُّنا الأساسُ أن ننأى عن فَرديَّةِ الخِياراتِ لننتقل إلى تحمُّلٍ جَماعيٍّ للمسؤوليَّة. 

أيُّها الأصدقاء، 

لقد كنّا طويلاً في ظلِّ الأصالةِ الديمقراطية وشبَهِها. كنّا الى جنْبِ الحياةِ الديمقراطيّة السليمة وليسَ في صلبِها. فالتجاربُ الانتخابيةُ السابقةُ وتشكيلَ الحُكومات، لم تستطعْ كَسْرَ حَلْقةِ الجُمودِ والشلَلِ العامّ إلاّ بقَدْرٍ قليل. 

وتُشير الوقائعُ إلى أنَّ اتّفاقَ الطائفِ وضَعَ حدّاً لدورةِ عُنْفٍ طويلة عَصَفَت بالوطن. وإذْ استطاعَ استيعابَ صِراعاتِ الشارِع إلى حدٍّ كبير، إلاّ أنّ ذلك أتى على حِسابِ الإنتاجية. فنقَلَ الصِّراعَ من الشارِع الى داخلِ المؤسّساتِ والإداراتِ العامّة. 

إنّهُ من أجْل خلقِ ديناميّةٍ جديدة ولكسْرِ الشلَل لصالحِ وطنٍ يتجدَّد، باتَ الواجبُ يقضي بالتطلّعِ إلى معالَجةٍ بِنيوية قبلَ فواتِ الأوان وحينَ لا يعودُ ينفعُ الندَم. 

مِن هُنا كانت مُبادرةُ "لبنان الأفضل" في العام 2013. وهي تَطمحُ إلى نظامٍ تشغيليٍّ للجُمهورية اللبنانيةِ لا يتعَطّل. من قلبِ الطائفِ وجوهرِه. يفعِّل إنتاجيةَ المؤسّسات، يُطلقُ النموّ، يفتَحُ آفاقَ الإبداع، ويُحصِّنُ الأمنَ والاستقرار. 

صحيحٌ أنّ المأزَقَ البِنيويَّ الذي نحنُ عليهِ، فرَضَتهُ ظُروفٌ جيوبوليتيكيَّةٌ معقَّدةٌ بطبيعةِ الحال. لكنَّنا كلبنانيين، أسْهَمنا في إذكاءِ تَداعياتِها الكارثيَّةِ، لأسبابٍ عدة، أهمُّها برأيي تكمُن في استقالةٍ شبهِ جماعيةٍ عن التصدّي لها بحِكْمةٍ استشرافيَّة. 

لذلكَ، كان هذا المؤتمر اليوم. وهو يَطرَحُ همومَ الحاضر وتحديدَ كيفيّةِ المعالجاتِ والحلول. 

فلبنان تَعدُّدي! لكن، هل نجَحنا في حُسْنِ إدارةِ التعدُّديَّة بمِعنى الحِفاظِ على المواطنةِ الحاضِنة للتنوُّعِ دونَ أوهامِ الصَّهْرِ الانسيابيِّ القاتِلِ للخُصوصيَّات؟ 

ولبنان يستقبِلُ إنسانيَّاً وبمَحبَّة لاجئينَ ونازحين، لكنَّ جغرافيَّتنا ضيِّقةٌ، ومواردَنا مَحدودةٌ، وبُنانا التحتيَّةَ مستنزَفَةٌ، وفُرَصَ العَمَل غائِبة، والفَقْرُ يزداد. أليسَ علينا بناءُ سياسةٍ عامَّة متماسكةٍ تُعيد هؤلاءَ إلى أرضِهِم دِفاعاً عن عَدالةِ قضيَّتهم وهُويّتِهم ورَدءاً لانهِيار لُبنان؟

ولبنان على حافّةِ الانهيارِ المجتمعي- الاقتصادي. أليسَ علينا تأسيسُ مُناخٍ خَصْبٍ لتحقيقِ حمايةٍ مُجتمعيةٍ شاملةٍ تتزامنُ مع نهْضةٍ اقتصاديةٍ في العُمْق، ما يؤهِّلُنا للتطويرِ في بُنانا التحتية؟ 

أيُّها الأصدقاء، 

نَبْحَثُ في أزَمات لبنان اليَوْم ونتطلَّعُ إلى لبنان الأَفضل، بعيداً من بازارِ الشَّعبويَّة والارتِجال. من واجبِنا أن نبني دولَتَهُ المنتِجة. ومن مسؤولياتِنا، فتحُ السَّبيل أيضاً لضخِّ دمٍ جديدٍ في السُّلطتين التَّشريعيَّةِ والتَّنفيذيَّة على حدٍّ سَواء. ولُبنان الاقتصادي ما عادَ يستطيعُ القَبولَ بمُوازناتٍ حِسابيَّة ماليَّة، بل يترقَّبُ إصلاحاً بِنيويَّاً في المُوازنة برؤيةٍ اقتصاديَّة – اجتماعيَّة.

فلنجعلْ إيمانَنا بلبنان بقَدْر حَبّة الخَرْدَل. ولنقف وَقفةَ ضميرٍ مُطلقينَ ورشةَ عملٍ مَنهجيَّة. ولنُنتج الفُرَصَ البنَّاءة، بالتجرُّدِ والاحتراف. 

فحينَ تكونُ الرؤيةُ واضحةً، يُصبح الإيمانُ أقوى وأفعل. وكما يقولُ الرِّوائيُّ العالميُّ باولو كويلو في رِوايته" الخيميائي": "عندها... تتآمرُ النُّجومُ والكواكبُ والكونُ كلُّه لتحقيقِ الهدَف الواضح". 

فعندما تكونُ المعالجاتُ مُترفّعةً بنّاءة، نقولُ لهذا الجبلِ انتقل من هنا إلى هناك فينتقل. ولا شيء يكون مستحيلاً علينا. وعندها، عندها فقط، يكون لنا لبنانٌ أفضل.

 

الشُّكر لكُم جميعاً على مُشاركتِكم، عُشتُم وعاشَ لبنان.

Contact us