ملاحظات عن خطة الكهرباء:المحروقات هي الاستراتيجية

     النهار-السبت 20آب 2011

وصلت كلفة مشاريع إعادة تأهيل قطاع الكهرباء وتطويره بعد انتهاء الحرب في لبنان في التسعينات إلى نحو 1,8 مليار دولار من دون معالجة النقص المتزايد في التغذية والحد من النزف الهائل في الخزينة، أو الاعتماد على معامل الإنتاج الفاقدة القدرة وعلى شبكات التوزيع المهترئة أو تنظيم جباية عادلة وشاملة.

إزاء هذا الواقع، أعدت معظم وزارات الطاقة المتعاقبة خططا لمعالجة الأزمة المستعصية. وكان آخرها بإشراف الوزير جبران باسيل في حكومة الرئيس سعد الحريري، في مشروع تراكمي للخطط، مستقى من مسودات لوزارات سابقة ومطالعات المؤسسات الدولية المعنية ومنها البنك الدولي، مع إضافات جوهرية ومبادرات متنوعة، مسجلة حدثا ايجابيا في مقاربة إشكالات الإنتاج والتوزيع ووضع أطر الحلول، وصولا إلى معالجة الاهدار والحد من العجز مع برمجة إدارية مالية متكاملة.

يشهد هذا المشروع المطروح حاليا على حكومة الرئيس نجيب ميقاتي، سجالات تتعلق بآلية اخذ القرار في التلزيم وفض العروض ومواضيع المراقبة المالية، واعتراضات على ما يفهم منه منح صلاحيات استثنائية للوزير.

إننا ننأى بأنفسنا عن مماحكات لا بد من أن تجد الاجابات لها في القوانين ولدى أهل الاختصاص، آملين في أن يطرح الحدث في حد ذاته أهمية قصوى بغية التعجيل في إنتاج الحلول المجدية له، مع الأخذ في الوقت عينه بملاحظات في أساس الخطة الموضوعة في مجال طبيعة الإنتاج الكهربائي، تلافيا لمزيد من الاهدار وخسارات إضافية نخشى تسجيلها في المستقبل.

المحروقات هي الاستراتيجية

تولد كهرباء لبنان حاليا نحو 1800 ميغاواط في الساعة بخسارة 300 ألف دولار في الساعة عينها، ويا للأسف. ويكفي النظر إلى هذه الواقعة، لنكتشف أن المشكلة تكمن في طريقة التوليد التي تعتمد في جزء كبير منها على المازوت، وهو من أغلى محروقات الإنتاج وأكبرها كلفة مقارنة بالغاز الطبيعي والغاز السائل والفحم الحجري والطاقة النووية وبطبيعة الحال الفيول اويل.

لقد عارض الوزير الراحل جورج افرام بشدة عام 1993 مشروع التوظيف الهائل في الإنتاج لتوليد الكهرباء على الغاز، وكان يفضل مراجل الفيول اويل أرخص المحروقات المتوافرة يومها.

رغم ذلك سارت الحكومات المتتابعة بالخيار الآخر، وأجرت توظيفات كبيرة شكلت معبرا لتغطية عمولات هائلة غير شفافة من دون أن يصل الغاز إلى لبنان. هكذا، أجبرنا على حرق المازوت في المولدات بأسعار باهظة، لأنه لا يصح تقنيا استبدال الغاز إلا بالمازوت في مثل هذه المولدات، ولتسبب كهرباء لبنان عبر 18 سنة، بأكثر من 60% من قيمة ديننا العام.

للتذكير فقط، لو كنا على قدرة في حينه لاستعمال الفيول اويل في محطات التوليد بدل المازوت، لكنا وفرنا على خزينة الدولة 150 ألف دولار في كل ساعة إنتاج.

اليوم، يعود طرح موضوع إنتاج الكهرباء على الغاز، في وقت نجد أن الأفضل هو الاعتماد على الفيول اويل من دون التهاون في العمل على جر الغاز إلى لبنان أو التنقيب عنه.

إننا إذ نتشارك مع الخطة الموضوعة في كثير من جوانبها وما إليها من مبادرات وتفاصيل، إلا أننا ننصح بأهمية التأكد من أن تعتمد الزيادة في الطاقة الإنتاجية على الفيول اويل، عبر التوظيف في مولدات تنتج كهرباء بواسطة هذه المادة في مناطق مختلفة من لبنان وبطاقة تصل إلى 700 ميغاواط، تخفف من تكاليف شبكات النقل وتوزع الطاقة بعدالة أكبر. وتجدر الإشارة الى أن مثل هذه المولدات تستطيع استعمال الغاز عند توافره. كذلك ندعو إلى التوظيف لتمكين محطتي الزهراني والبداوي من الإنتاج على الفيول اويل مع الإبقاء على إمكان إنتاجها على الغاز.

كذلك ننصح بتنفيذ القانون 462 العائد لعام 2003 والذي يلحظ إنشاء الهيئة الناظمة للكهرباء، والتي بواسطتها نستطيع توفير الاستمرار في الرؤية والتنفيذ مع تعاقب الوزارات. ومن مهماتها الإشراف على تنفيذ الخطط الموضوعة ومراقبة طريقة إجراء المناقصات لإنشاء وتأهيل المعامل وعملية التوزيع.. الخ، إضافة إلى تهيئة كهرباء لبنان إداريا وقانونيا للتشركة الفعلية بين القطاعين العام والخاص في ميادين الإنتاج والتوزيع والجباية، وإشراك المجتمع من خلال طرح أسهم الهيئات الناتجة من الشراكة في السوق المالية اللبنانية.

إن الواجب يقضي برسم الخطط المستقبلية التي توصلنا إلى التوازن المالي في كهرباء لبنان بالتوازي مع طاقة 24 ساعة على 24، وهذا يفترض اعتماد إستراتيجية المحروقات كأساس للتوليد قبل كل شيء بأقل التكاليف الممكنة والمتوافرة، مع رسم استراتيجية وطنية عملية وفاعلة للجباية. كذلك ندعو إلى فتح الباب أمام القطاع الخاص لطرح مبادرات تشاركية خلاقة في هذا المضمار تتفاعل مع توظيفات الدولة، وقد يشكل استعمال الفحم الحجري بكلفته التنافسية ودون عوائقه البيئية التي باتت ممكنة حاليا، إحدى أفكاره الجديدة بقيمة مضافة مؤكدة لهذا القطاع.


هو نداء صادق نوجهه إلى رئيس الحكومة ووزير الطاقة والمياه بعيدا من السجالات القائمة في شأن آلية اخذ القرار في التلزيم، للتأكد من دراسة الجدوى في اعتماد وسائل الإنتاج ليطابق حساب البيدر حساب الحقل.



Contact us