نعمة افرام - رئيس المؤسسة المارونية للإنتشار

"النهار" 6 شباط 2018  

 أتطلّع إلى زمن ما بعد التعايش، وأعني الوصول عبر نموذج اقتصاديّ – اجتماعيّ 

لقد تسيّس في المعنى السلبيّ للكلمة، كلّ شيء في حياتنا الوطنيّة. ذاب صالح المواطن أمام أولويات الأفرقاء السياسيين، واضمحلّت مصلحة الوطن إلى دركٍ غير مسبوق.

لبنان اليوم لم يعد يشبه نفسه في فكرته وجوهره، كما لم يعد يجانس اللبنانيّ في كفاءاته ونجاحاته الفرديَّة. رغم ذلك، لم يفقد أبناؤه الأمل، وهم يتطلّعون إلى تغييرٍ إيجابيّ فيه، مهما عظمت المعوِّقات التي تقف في وجه إنهاضه. أليس هذا ما يطمح إليه نداء "النهار": "الكلّ في جريدة – لنصنع وطناً"؟!

قد يعتقد البعض أنّ الوضع عصيّ على إمكان التصويب، ونحن متّجهون لا محالة ناحية الانتحار الجماعيّ. في تقديري أن هذا الاستنتاج ليس بصحّي ولا بسليم. لذلك، خططت مبادرتي من أجل "لبنان الأفضل" ووضعت عنواناً لمشروعي الانتخابيّ "الإنسان أولاً".

شخصيّاً، أنا مؤمن بأن لا مشروع سياسيّاً يستحقّ أن يوصف بالمشروع، إذا لم يكن في أساس تكوينه وعلّة وجوده، تطوير مستوى حياة الإنسان وحماية الفقير والضعيف. كل شيء سوى ذلك، يكون لخدمة المصالح الصغيرة والمآرب الشخصيّة.

وما هو واضح، انّ لبنان ما عاد يحتمل التباسات في مفاهيم تأسيسية غائبة حتى عن مستوى الرؤية، والاداء، والتقييم. وما عاد يحتمل استمرار الخلل البنيويّ المتمادي في نظامه التشغيليّ السياسيّ والاقتصاديّ والاجتماعيّ. وما عاد يحتمل اللاتوازن الذي يحكم العلاقة بين القطاع العام المدمًّر والقطاع الخاص المستنزف والمجتمع المدنيّ المشتَّت. وما عاد يحتمل أن تأسره مسائل إقليميّة ودوليّة، لا علاقة لإنسانه ولمصلحته الوطنيّة العليا بها.

لقد حان الوقت لبناء المجتمع معاً على قاعدة عيش مشترك منتج، بدلاً من عيش مشترك عقيم. وإذ ألححت على "الإنسان أولاً" في "لبنان الأفضل"، فللتأكيد أنّ هدفيّة الإنسان هي المدخل لمعالجة المآزق البنيويَّة التي فرضتها علينا ظروف جيوبوليتيكيَّة معقّدة بطبيعة الحال، لكنّنا أسهمنا في إذكاء تداعياتها الكارثيَّة بسببٍ من قصورٍ في فهْمنا لطبيعة هذه الأزمات، واستقالةٍ من التصدّي لها بحِكْمةٍ استشرافيَّة.

وإذا كان المطلوب ضخّ عدد وازن من الوجوه الجديدة داخل الندوة البرلمانيّة، فبهدف واحد هو رسم سياسات يفترض بها خدمة الإنسان، وخوض غمار النموّ الاقتصاديّ والحماية الاجتماعيّة، عبر إنتاج كمّ من القوانين تصبّ كلّها في خانة توفير فرص عمل للمواطن.

إلاّ أنّنا ندرك جميعاً انّ توفير فرص العمل هو نتيجة وليس حدثاّ في ذاته. انّه نتيجة قوانين حديثة وهادفة، وبنى تحتيّة متطوّرة. كما انّه نتيجة بيئة ضريبيّة محفّزة، وسياسات تعزّز القطاعات المنتجة وقدراتها التنافسيّة وتطلق حماية مجتمعيّة تصبّ في خانة بناء وحدة لبنان. وهو نتيجة أيضاّ لشراكة في العمق مع المغتربين، تستقطب طاقاتهم الفكريّة والاستثماريّة. ولا أظنّ أحداً يختلف أيضاً وأيضاَ على انّه نتيجة استقرار أمنيّ وسياسيّ. فهل كثير علينا إعادة تصويب التزاماتنا الوطنيّة، فنجدّد في العقد الوطنيّ على قاعدة الدولة المدنيّة اللامركزيّة والحياد الايجابيّ، ونركّز على بناء لبنان على قواعد الاستقرار والنموّ الاقتصاديّ وتطوير حياة الإنسان فيه؟

أنا مع العيش المشترك ومع الغنى في التعدّد والوحدة في التنوّع، وهذه من ثوابتي. في الوقت عينه أتطلّع إلى زمن ما بعد التعايش، وأعني الوصول عبر نموذج اقتصاديّ – اجتماعيّ إلى نظام يطلق النموّ والإبداع والتمايز للّبنانيين في محيطهم والعالم. زمن نستعيد فيه القيم، ونسترجع عصر نهضة ثقافيّة وفنيّة يتزاوج معها الإرث القيّم للديانات مع التجديد والحداثة، وتتطوّر البحوث العلميّة ونتألق في كل المجالات. إنّه في اختصار علامات التفوّق والإبداع من أجل الإنسان ولبنان.

Contact us