الأمن القومي والخلل البنيوي في النظام

فرحان صالح - النهار 8 نيسان 2015

في مراجعة سريعة للكيفية التي تبلورت – واصبحت مجتمعاً للشخصية اللبنانية المتنوعة في خصائصها ومرجعياتها - يتبدى لنا التركيب الجيني المتنوع الذي يحتم علينا عدم تجاهله، انه تركيب من مكونات تاريخية غارقة في القدم، كما لا بد من الاشارة الى الروافد الحديثة والمضافة، والتي ترافق وجودها مع الصراعات التي عرفتها المنطقة خلال فترة الخلافة العثمانية، او ما بعدها في عصر الانتداب، وصولاً الى ما تعرفه المنطقة من تغيرات ديموغرافية – سياسية اليوم.

أدت تلك الصراعات الى هجرة عشرات الآلاف من الارمن والأكراد والاشوريين والاقباط وغيرهم من اقوام. هذه الروافد التي اعطت للشخصية اللبنانية تلاوين انسانية متنوعة.

فالنظام اللبناني استطاع استيعاب بعض هذه الروافد في حين أن روافد أخرى تم عزلها ووضعها فيما يشبه الكانتونات، مثال الفلسطينيين وبعض السوريين حديثاً. ان المشترك الذي يتكون منه المجتمع اللبناني هو الخليط الذي زاده نضوجاً، والتفاعل بين اللبنانيين والمجتمع الانساني العالمي نتيجة الهجرات منه واليه.

تحيلنا هذه الوضعية التي نشير اليها باعتبارها من ضمن اشكاليات ما يمكن الحديث عنه حين تناولنا موضوعات تتعلق الأمن القومي في لبنان، الى رسم صورة فيها هذه التلاوين دون تجاهل أي منها.

ان المؤتمر الذي عقدته وزارة الدفاع اللبناني – مركز البحوث والدراسات اللبنانية – برئاسة العميد الركن غسان عبد الصمد بالاشتراك مع ملتقى التأثير المدني الذي مثله نعمة افرام، هو من أفضل المؤتمرات، ليس من ناحية تنظيمه فحسب وانما أيضاً من ناحية الموضوعات المطروحة، حيث تم اختيار أفضل الكفايات التي قدمت وجهات نظر على دراية بموضوعات المؤتمر، وان كان بتفصيلات مختصرة.

نقول هذا وندرك ان ما قدمه المحاضرون سيترك اثره في الذاكرة اللبنانية، سواء من ناحية سياسية أم اجتماعية – ثقافية أم تربوية وقانونية.

بيّن المشاركون: غسان عبد الصمد ونعمة افرام وفيصل الخليل وغالب غانم وزياد صايغ وطارق متري ومنير يحيى ورائد شرف الدين ومروان شربل وانطوان واكيم، رؤية عالجوا فيها الخلل البنيوي في النظام سواء من الناحية القانونية ام الاقتصادية الاجتماعية أم الوظيفية وغيرها.

ان هذه الافكار والرؤى للحالة اللبنانية التي يتصورها البعض مشوهة، هناك من يعتبر أنها خلاصة للخصوصيات الاجتماعية للحالة العربية، خاصة من الناحية الطبقية.

لذا فأن الدراسات حول الأمن القومي في لبنان أظهرت كأن بعض المشاركين لم يتنبه الى أنه لا يمكن اعتبار لبنان في ذاته وبذاته، خاصة ان التركيبة السياسية الحالية، هي تركيبة كانت قد فرضت في الطائف – السعودية – وأكدتها ضغوط عربية واقليمية ودولية. وقد كان للراعيين السعودي – السوري دورهما في صياغة ما تم الاتفاق عليه. وقد صيغت في الوقت الذي كان الاتحاد السوفياتي يتفكك، أيضاً في ظل هزيمة ايران في حربها مع العراق، والادهى في ظل وجود أحزاب سياسية لبنانية، لا يمكن القول بأن عندها تصورات وسياسات وطنية، وهي بطبيعتها احزاب طائفية أو أحزاب ما فوق وطنية، ضمن ادعاءات قومية، ناهيك عن أهمية بعضها.

قدم العميد غسان عبد الصمد تصوراته حول الامن القومي في لبنان، وكان موفقاً في صياغة رؤية نظرية للموضوع المنوي مناقشته. أما الاستاذ نعمة افرام (ملتقى التأثير المدني) فقد قدم مقارنة مهمة بين الاحداث التي عرفتها أوروبا والتي أدت الى تشكل الكيانات الأوروبية، معرجاً على ما عرفه لبنان في تاريخه الحديث والمعاصر. والمغزى أن علينا نحن اللبنانيين أن نستخلص العبر ونضع الأسس التي تمكننا من الارتقاء في النظام السياسي اللبناني، وبالتالي في تشخيص عقد اجتماعي يشكل رافعة للمستقبل وليس كما هو الوضع الحالي، وأفاض القاضي غالب غانم وطارق متري وفيصل الخليل وزياد الصايغ ومنير يحيى ورائد شرف الدين وانطوان واكيم ومروان شربل، في تشريحهم للبنية السياسية التي ادارت الحكم، مركزين على الشوائب، وعلى كيفية المعالجات المتشابهة والمكملة لبعضها للشأنين العام والخاص في علاقة اللبنانيين مع بعضهم وفي علاقاتهم مع محيطهم القريب والبعيد.

والخلاصة ان الجميع كانوا متفقين على ضرورة صياغة عقد اجتماعي تكون الاولوية فيه للمصلحة اللبنانية، التي تتواءم ايجابياً مع المحيط القريب والبعيد تلك السياسات التي تعرف كيف تدير مؤسسات الدولة دون ان تعرض لبنان للمهالك متبنية مواقف مبنية على عدم التدخل بشؤون الآخرن، مع ما لهذا من الاستفادة من كل ما يمكن اعتباره ايجابي في الوضعين العربي والدولي الاقليمي.

وكان لافتاً للانتباه، الوعي الذي تتمتع به مجموعة من الضباط اللبنانيين الذين كانت مهمتهم التعقيب على الاوراق، وقد اضافوا الى ما قدم رؤية ليس مؤسستهم العسكرية فحسب، وإنما كونهم مواطنين وعلى درجة عالية من الاحساس بالمسؤولية.

لقد كانت كلمات العمداء ابراهيم الباروك وزياد الهاشم وسعيد القزح وعزمة دندش صرخة في وجه السياسات الخاطئة التي يمارسها زعماء الطوائف...

Contact us