الميثاق الجديد

نعمة افرام – النهار  21 آب 2015

في فصل أخير من حياة منطقة في مئويتها الأولى بعد الحرب العالمية الأولى، ترفع المناعي على روح سايكس – بيكو، وتغيب الحلول. انه من دون أدنى شك زمن الأزمات والمتغيرات، وسيليه حتماً زمن التسويات. وتاريخياً، كتب على لبنان ألا يقبل على البحث في اعادة تجميع أوضاعه الا على الحامي وبعد حروب وويلات، ووفق مصالح الآخرين، أو وسط شلل قاتل وانهيار مخيف. لكن، ماذا عن اليوم؟ أليس من فرصة لقلب مثل هذا المشهد المؤلم؟

ان الأزمة الوجودية التي تعصف بلبنان، اضافة الى مصيرية انتظام عمل مؤسساتنا الدستورية والوطنية، تستدعي الشروع الفوري في عملية انتخاب رئيس للجمهورية، يكون عنواناً لهذا التطور الجوهري في صلب عقدنا الوطني. واذا أردنا حقيقة أن نخرج من زمن العقم لندخل زمن الانتاج، فان الواجب يقتضي المعالجة البنيوية في أربعة محاور تترافق مع انتخاب الرئيس، تشكّل سلة متكاملة قادرة على كسر حلقة الجمود، وتعيد الدورة الديموقراطية الى مساراتها الطبيعية، وتعبِّد الطريق للدخول في مسار مئوية ثانية للبنان، أكثر ابداعاً وأكثر عدلاً وأكثر مناعة.

المحور الأول يتعلق بوضع قانون انتخابات عصري، يكرّس المناصفة ويحمي الشراكة وميثاقية الدستور. واذ يحفظ صورة لبنان الوطن المنفتح على الحضارات وتفاعلها، يؤمّن في الوقت عينه صحة التمثيل وعدالته، ويستقطب خيرة الطاقات الحيّة من نساء ورجال الوطن الى الندوة البرلمانية في مشهد سياسي متجدّد.

الثاني يتعلق بقانون اللامركزية الادارية الموسعة. وفي اقراره، فرصة جدّية لتمتين الوحدة الوطنية وتأمين الاستقرار عبر تخفيف حدّة الصراع على السلطة المركزية. وهو يتيح اعتماد خطّة تعزّز عمل الوحدات الادارية الصغرى تمثيلاً وانتخاباً وصلاحيات، تفعّل آليات اتخاذ القرار وقراءة مفاعيله بسرعة قصوى، بشكل يسمح بالتصحيح وبوضع نهج من التطوير المستدام.

الثالث يتعلق بقانون الشراكة بين القطاعين العام والخاص. وفي اقراره، مدخل أكيد لايجاد حلول لسلسلة طويلة لا تنتهي من المعوّقات التنمويّة. ان الشراكة المسؤولة المبنية على أسس الشفافية والاحتراف، تسمح بالافادة من الخبرات والطاقات المالية للبنانيين بخاصة، وللمؤمنين بالاقتصاد الوطني بعامة، لتطوير البنى التحتية واطلاق المبادرات التنافسية والاستثمارية، والارتقاء بخدمات الادارة اللبنانية الى مستوى راق ومن الطراز الرفيع.

الرابع يتعلق بقانون استعادة الجنسية. ذلك أن التوازن الحسّاس بين مكوّنات لبنان الحضارية هو أساسيّ للانسجام الوطني العام. كما أن الشراكة مع المغتربين هي أساسية في عملية انهاض لبنان.

ان انتخاب الرئيس يسهِّل تقريب المسافات لانضاج هذه السلة من القوانين. واللبنانيون توّاقون الى رئيس لا يتنافس مع السياسيين، يكون خارج اللعبة السياسية وناظماً لها بتجرد وفعالية. رئيس، يطلق دولة تعتمد الحوكمة الرشيدة، وهي تعني الانسان في الأساس. رئيس، يطوِّر النظام التشغيلي المنتج للمنظومة اللبنانية، ويحدث آليات اتخاذ القرار في مختلف مفاصل الادارة، لتصب في صالح السعادة الشاملة للمواطن، وتطوير حياته، وتحقيق ذاته، واطلاق طموحاته، وانمائه روحياً وفلسفياً. رئيس، يؤمن للبنان جهاز مناعة قادراً وفعالاً، من دونه يكون أمننا القومي، بمفهومه الأوسع، مجتزأً أو مرتهناً. رئيس، لا يحقق المساواة في المشاركة على حساب الانتاجيّة. رئيس، يستشرف مئوية جديدة للبنان، تكون أقل عقائدية وأكثر واقعية، وتكون أقل تصلباً وأكثر انسانية. رئيس، يؤمن أن الميثاق هو روح ووعد، وناظم العمل السياسيّ في لبنان والضابط له. رئيس، يعيد تجديد الوعود في العقد الوطني، وتطويره وتحصينه. فلا يكون البنيان وليد موازين قوى آنيّة، يأخذ الرابح فيها كل شيء ويخسر الشريك الآخر كل شيء... الى حين بروز موازين قوى جديدة، فينقلب الرابح خاسراً والخاسر رابحاً؟... وتبقى اللعنة تواكبنا من جيل الى جيل! رئيس، يسير بلبنان بخطى ثابتة نحو التزاوج بين ارث القيم وبين التجديد والحداثة، في دولة تقول لا للأصوليات، كما للالحاد كنظام، وتقول نعم للحياة المشتركة الصافية والمنتجة. رئيس، يلتزم الانسان الكل، في دولة تطلق الابداع وتخلق القيمة المضافة، وتفجِّر طاقات شباب لبنان على أرض لبنان، لا خارجه. رئيس، يكون شعاره عيشنا المشترك المنتج هو الميثاق الجديد.

تأخرنا كثيراً. ولربما تلوح لنا حالياً فسحة توافق لترتيب بيتنا الداخلي، في ظل التفاهمات النووية. فهلمّوا نعود جميعاً الى معادلة لبنانية صرف، بشجاعة وواقعية واحتراف، وتحت أعين المجتمعين الدولي والاقليمي، جاعلين الحل ولو لمرة من صنع أيدينا وبمباركة الآخرين، غير مفروض علينا، ومن صناعة الآخرين.

Contact us